فصل: فصل في علاج أسباب طول الأمل:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: موارد الظمآن لدروس الزمان



.فصل في علاج أسباب طول الأمل:

إذا عرفت ذلك فعلاج الجهل الفكر الصافي من القلب الحاضر وسماع الحكمة البالغة من الكتاب والسنة والقلوب الطاهرة وأما حب الدنيا فالعلاج في إخراجه من القلب شديد في غاية الصعوبة والمشقة وهذا هو الداء العضال الذي اعجز الأولين والآخرين.
ولهذا من مداخل الشيطان إلى قلب ابن آدم حب التزين من الأثاث والثياب والمسكن والمركوب فإن الشيطان إذا رأى ذلك الذي هو بالحقيقة حب الدنيا غاليًا على قلب الإنسان باض فيه وفرخ فلا يزال الخبيث يزين له ويدعوه إلى عمارة المسكن وتزويقه وتوسيعه وتنظيمه ويدعوه إلى التزين بالثياب والمركوب ويستسخره ويستعمره طول عمره فإذا أوقعه وورطه في ذلك فقد استغنى أن يعود إليه.
ثانيًا: أن بعض ذلك يجره إلى بعض الآخر بالقوة فلا يزال يؤيده من شيء إلى آخر بالتدريج إلى أن يذهب عمره فرطا ويساق إلى أجله فيموت وهو في سبيل الشيطان وإتباع الهوى والنفس الأمارة بالسوء ويخشى من سوء العاقبة بالكفر نعوذ بالله من ذلك.
الْقَلْبُ مُحْتَرِقٌ وَالدَّمْعُ مُسْتَبِقٌ ** وَالْكَرْبُ مُجْتَمِعٌ وَالصَّبْرُ مُفْتَرِقُ

كَيْفَ الْفِرَارُ عَلَى مَنْ لا فِرَارَ لَهُ ** مِمَّا جَنَاهُ الْهَوَى وَالشَّوْقُ وَالْقَلَقُ

يَا رَبِّ إِنْ كَانَ شَيْءٌ لِي بِهِ فَرَحٌ ** فَامْنُنْ عَليَّ بِهِ مَا دَامَ بِي رَمَقُ

آخر:
يَا خَاطِبَ الدُّنْيَا عَلَى نَفْسِهَا ** إِنَّ لَهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ خَلِيلُ

مَا اقْتَلَ الدُّنْيَا لِخُطَّابِهَا ** تَقْتلُهمْ قِدْمًا قَتِيلاً قَتِيلُ

تَسْتَنْكِحُ الْبَعْلَ وَقَدْ وَطِئَتْ ** فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْهُ بَدِيلُ

إِنِّي لَمُغْتَرُّ وَإِنَّ الْبَلا يَعْمَلُ ** فِي جِسْمِي قَلِيلاً قَلِيلُ

تَزَوَّدُوا لِلْمَوْتِ زَادًا فَقَدْ ** نَادَى مُنَادِيهِ الرَّحِيلَ الرَّحِيلُ

آخر:
إِنِّي بُلِيتُ بِأَرْبَعٍ مَا سُلِّطُوا ** إِلا لأَجْلِ شَقَاوَتِي وَعَنَائِي

إِبلَيْسَ وَالدُّنْيَا وَنَفْسِي وَالْهَوَى ** كَيْفَ الْخَلاصُ وَكُلُّهُمْ أَعْدَائِي

إِبْلِيس يَسْلُكُ فِي طَرِيقِ مَهَالِكِي ** وَالنَّفْسُ تَأْمُرُنِي بِكُلِّ بَلائِي

وَأَرَى الْهَوَى تَدْعُو إِلَيْهِ خَوَاطِرِي ** فِي ظُلْمَةَ الشُّبُهَاتِ وَالآرَائِي

وَزَخَارِفُ الدُّنْيَا تَقُولُ أَمَا تَرَى ** حُسْنِي وَفَخْرَ مَلابِسِي وَبَهَائِي

آخر:
أَلا أَيُّهَا الَّلاهِي وَقَدْ شَابَ رَأْسُهُ ** أَلمَّا يَزِعْكَ الشَّيْبُ وَالشَّيْبُ وَازِعُ

أَتَصْبُ وَقَدْ نَاهَزْتَ خَمْسِينَ حِجَّةً ** كَأَنَّكَ غِرٌ أَوْ كَأَنَّكَ يَافِعُ

حَذَارِ مِنَ الأَيَّامِ لا تَأْمَنَنَّهَا ** فَتَخْدَعُكَ الأَيَّامُ وَهِيَ خَوَادِعُ

أَتَأْمَنُ خَيْلاً لا تَزَالُ مُغِيرَةً ** لَهَا كُلَّ يَوْمٍ فِي أُنَاسٍ وَقَائِعُ

وَتَأْمَلُ طُولُ الْعُمْرِ عِنْدَ نَفَاذِهِ ** وَبِالرَّأْسِ وَسْمٌ لِلْمَنِيَّةِ لامِعُ

يُرْجي الْفَتَى وَالْمَوْتُ دُونَ رَجَائِهِ ** وَيَسْرِي لَهُ سَارِي الرَّدَى وَهُوَ هَاجِعُ

تَرَحَّلْ مِنْ الدُّنْيَا بِزَادٍ مِن التُّقَى ** فَإِنَّكَ مَجْزِيٌّ بِمَا أَنْتَ صَانِعُ

ولا علاج لحب الدنيا إلا الإيمان بالله واليوم الآخر وبما فيه من عظيم العقاب وجزيل الثواب ومهما حصل له اليقين بذلك ارتحل عن قلبه حب الدنيا فرأى حقارتها ونفاسة الآخرة ورأى أن الدنيا ليست بأهل أن يلتفت إليها أو ترمق بعين المحبة خلافًا للسواد الأعظم المنهمكين فيها.
إِذَا مُوجِدُ الأَشْيَاءِ يَسَّرَ لِلْفَتَى ** ثَمَانَ خِصَالٍ قَلَّمَا تَتَيَسَّرُ

كَفَافٌ يَصُونُ الْحُرَّ عَنْ بَذْلِ وَجْهِهِ ** فَيُضْحِي وَيُمْسِي وَهُوَ حُرٌّ مُوَقَّرُ

وَمَكْتَبَةٌ تَحْوِي تَعْلِيمَ دِينَنَا ** وَمَسْجِدُ طِينٍ بِالْقَدِيمِ يُذَكِّرُ

وَمَفْرُوشُهُ الْحَصْبَا كَمَا كَانَ أَوَّلاً ** أَوِ الرَّمْلِ وَلا فُرْشٌ بِهَا نَتَفَكَّرُ

وَرَابِعُهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ** يُنَادِي لِخَمْسٍ فِي الْمَسَاجِدِ يَجْهَرُ

وَخَامِسُهَا عَزَّتْ وَقَلَّ وُجُودُهَا ** صَدِيقٌ عَلَى الأَيَّامِ لا يَتَغَيَّرُ

وَبَيْتٌ خَلِيٌ مِنْ شُرُورٍ تَنَوَّعَتْ ** لَهَا عِنْدَ أَصْحَابِ الرَّذِيلَةِ مَظْهَرُ

وَجِيرَانُهُ أَصْحَابُ دِينِ وَغَيْرَةٍ ** إِذَا اسْتُنْصِرُوا لِلدِّينِ هَبُّوا وَشَمَّرُوا

مَجَالِسُهُمْ فِيمَا يَحُثُّ عَلَى التُّقَى ** وَرُؤْيَتُهُمْ بِالتَّابِعِينَ تُذَكِّرُ

وَثَامِنُهَا قَوَّامَةُ اللَّيْلِ دَأْبُهَا ** تُصَلِّي وَتَتْلُو لِلْكِتَابِ وَتَذْكُرُ

تُسَلِّي عَنِ الدُّنْيَا وَمَنْ وُلِّعُوا بِهَا ** وَتَخْدِمُهُ طُولَ النَّهَارِ وَتَشْكُرُ

فَهَذَا الَّذِي قَدْ نَالَ ملْكًا بِلا أَذَى ** وَلَمْ يَعْدُهُ عِزٌّ وَمَجْدٌ وَمَفْخَرُ

فعن الحارث بن مالك الأنصاري انه مر برسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له كيف أصبحت يا حارث قال أصبحت مؤمنًا حقًا، قال: «انظر ما تقول فأن لكل شيء حقيقة فما حقيقة إيمانك» فقال: عزفت نفسي عن الدنيا فأسهرت ليلي وأظمأت نهاري وكأني انظر إلى عرش ربي بارزًا وكأني انظر إلى أهل الجنة يتزاورون فيها كأني أنظر إلى أهل النار يتضاغون فيها، فقال: «يا حارث عرفت فالزم». ثلاثا.
نسأل الله أن يرينا الدنيا كما أراها الصالحين، قال الشاعر:
إِذَا امْتَحَنَ الدُّنْيَا لَبِيبٌ تَكَشَّفَتْ ** لَهُ عَنْ عَدُوٍّ فِي ثِيَابِ صَدِيقِ

آخر:
يَا خَاطِبَ الدُّنْيَا إِلَى نَفْسِهِ ** تَنَحَّ عَنْ خِطْبَتِهَا تَسْلَمِ

إِنَّ الَّتِي تَخْطِبُ غَدَّارَةٌ ** قَرِيبَةُ الْعِرْسِ مِنَ الْمَآتِمِ

آخر:
مَا أَحْسَنَ الدُّنْيَا وَإِقْبَالَهَا ** إِذَا أَطَاعَ اللهَ مَنْ نَالَهَا

مَنْ لَمْ يُطِيعِ اللهِ فِي صَرْفِهَا ** عَرَّضَ لِلإِدْبَارِ إِقْبَالِهَا

آخر:
يُسِيءُ امْرُئٌ مِنَّا فَيُبْغَضُ دَائِمًا ** وَدُنْيَاكَ مَا زَالَتْ تُسِيءُ وَتُومَقُ

أَسَرَّ هَوَاهَا الشَّيْخُ وَالْكَهْلُ وَالْفَتَى ** بِجَهْلٍ فَمِنْ كُلِّ النَّوَاظِرِ تُرْمُقُ

وَمَا هِيَ أَهْلٌ أَنْ يُؤَهَّلَ مِثْلُهَا ** لِوُدٍّ وَلَكِنَّ ابْنَ آدَمَ أَحْمَقُ

قال بعضهم العجب ممن يغتر بالدنيا وإنما هي عقوبة ذنب.
قال الأصمعي سمعت أبا عمرو بن العلاء يقول كنت أدور في ضيعت لي فسمعت من يقول:
وَإِنَّ امْرأَ دُنْيَاهُ أَكْبَرُ هَمِّهِ ** لِمُسْتَمْسِكَ مِنْهَا بِحَبْلِ غُرُور

فجعلته نقش خاتمي.
وقال علي بن أبى طالب: الدنيا والآخرة كالمشرق والمغرب، إذا قربت من أحدهما بعدت عن الآخر.
قيل لزاهد أي خلق الله أصغر قال الدنيا، لأنها لا تعدل عند الله جناح بعوضة، فقال السائل ومن عظم هذا الجناح كان أصغر منه.
وقال بعضهم كان السلف يحرصون على حفظ أوقاتهم، أشد من حرص أهل الدنيا على دنياهم. قال بعضهم:
الْوَقْتَ أَنْفَسُ مَا عُنِيتَ بِحِفْظِهِ ** وَأَرَاهُ أَسْهَلُ مَا عَلَيْكَ يَضِيعُ

وقال علي بن الحسين السجاد الدنيا سبات والآخرة يقظة.
قال آخر: ما آثر الدنيا على الآخرة حكيم ولا عصي الله كريم.
فَيَا رَبَّ ذَنْبِي قَدْ تَعَاظَمَ جُرْمِهِ ** وَأَنْتَ بِمَا أَشْكُوهُ يَا رَبِّ عَالِمُ

وَأَنْتَ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ مُهَيْمِنٌ ** حَلِيمٌ كَرِيمٌ وَاسِعُ الْعَفْوِ رَاحِمُ

وقال آخر: اتخذوا الدنيا مرضعًا والآخرة أما ألم تروا إلى الصبي إذا ترعرع وعقل رمى بنفسه على أمه.
وقال آخر: أيامك ثلاثة: يومك الذي ولدت فيه، ويوم نزولك قبرك، ويوم خروجك إلى ربك، فيا له من يوم قصير خبئ له يومان طويلان.
حَيَاتُكَ رَأْسُ الْمَالِ وَالدِّينُ رِبْحُهُ ** وَأَخْلاقُ أَشْرَافٍ بِهِنَّ تَصَدَّرُ

وَمَوْسِمُكَ الأَيَّام فَلْتَكُ حَازِمًا ** وَإِلا فَذُو التَّفْرِيطِ لا شَكَّ يَخْسَرُ

وَمَنْ ضَيَّعَ التَّوْحِيدَ ضَاعَتْ حَيَاتُهُ ** وَعَاشَ بِجَهْل غَارِقٍ لَيْسَ يُعْذَرُ

اللهم أرحم عربتنا في القبور وآمنا يوم البعث والنشور واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين برحمتك يا أرحم الراحمين وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

.فصل في تفاوت الناس في طول الأمل:

اعلم وفقنا الله وإياك وجميع المسلمين لطاعته أن الناس متفاوتون في طول الأمل تفاوتًا كثيرًا فمنهم من يأمل البقاء إلى زمان الهرم ومنهم من لا ينقطع أمله بحالٍ ومنهم من هو قصير الأمل وكلما قص الأمل جاد العمل لأنه يقدر قرب الموت فيستعد استعداد ميت فروي عن علي رضي الله عنه أنه قال إنما يهلك اثنتان الهوى وطول الأمل فأما الهوى فيصد عن الحق.
وإما طول الأمل فينسي الآخرة وروي عنه أيضًا أنه قال من ارتقب الموت سارع إلى الخيرت وصدق رحمه الله فلو أن غائبين عنك تعتقد أن أحدهما لمجيئه احتمال قوي في ليلتك أو في يومك والآخر يتأخر بعده بشهر أو شهرين للذي تخشى أن يفاجئك قدومه سريعًا ولاسيما إن كان قد أوصاك بوصية نفذتها قبل أن يصل فيلحقك ملامة أو عقوبة وتهيئ له مع ذلك ما تقدر عليه من تحف وما ترى أنه يناسب ويهواه.
تَأَهَّبْ لِلَّذِي ولابد مِنْهُ ** فَإِنَّ الْمَوْتَ مِيعَادُ الْعِبَادِ

يَسُرُّكَ أَنْ تَكُون رَفِيقَ قَوْمٍ ** لَهُمْ زَادُ وَأَنْتَ بِغَيْرِ زَاد

.فصل في فضل تقصير الأمل:

اعلم وفقنا الله وإياك وجميع المسلمين أن تقصير الأمل دليل على كمال العقل فسبيل العاقل تقصير آماله في الدنيا والتقرب إلى الله جل وعلا بصالح الأعمال.
قَصِّرْ الآمَالَ فِي الدُّنْيَا تَفُزْ ** فَدَلِيل الْعَقْلِ تَقْصِيرُ الأَمَلْ

ومعنى تقصير الأمل استشعار قرب الموت ولهذا قال بعضهم قصر الأمل سبب للزهد لأن من قصر أمله زهد، ويتولد من طول الأمل الكسل عن الطاعة والتسويف بالتوبة والرغبة في الدنيا والنسيان للآخرة والتساهل بتأخير قضاء الديون والقسوة في القلب.
تُخَبِّرُنِي الآمَالَ أَنِّي مُعَمَّرٌ ** وَأَنَّ الَّذِي أَخْشَاهُ عَنِّي مُؤَخَّرُ

فَكَيْفَ وَمَرُ الأَرْبَعِينَ قَضِيَّةَ ** عَليَّ بِحُكْمٍ قَاطِعٍ لا يُغَيَّرُ

إِذَا الْمَرْءُ جَازَ الأَرْبَعِينَ فَإِنَّهُ ** أَسِيرٌ لأَسْبَابِ الْمَنَايَا وَمَعْبِرُ

وقيل من قصر أمله قل همه وتنور قلبه، لأنه إذا استحضر الموت اجتهد في الطاعة ورضي بالقليل وقال ابن الجوزي: الأمل مذمومٌ إلا للعلماء فلولا ما جعل الله فيهم من الأمل لما ألفوا ولا صنفوا.
وفي الأمل سر لطيف جعله الله لولاه لما تهنأ أحد بعيش ولا طابت نفسه أن يشرع بعمل من أعمال الدنيا. قال صلى الله عليه وسلم: «إنما الأمل رحمة من الله لأمتي ولولا الأمل ما أرضعت أم ولدها ولا غرس غارسٌ شجرًا». رواه الخطيب.
عن أنس رضي الله عنه والمذموم من الأمل الاسترسال فيه وعدم الاستعداد لأمر الآخرة فمن سلم من ذلك لم يكلف بإزالته.
وورد في ذم الاسترسال في الأمل حديث أنس رفعه «أربعة من الشقاء جمود العين وقسوة القلب وطول الأمل والحرص على الدنيا» رواه البزار.
وروى علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: أخوف ما أخاف عليكم اثنان طول الأمل وإتباع الهوى فإن طول الأمل ينسي الآخرة واتباع الهوى يصد عن الحق.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «صلاح هذه الأمة بالزهد واليقين، وهلاك آخرها بالبخل وطول الأمل»، وقيل أن طول الأمل حجاب على القلب يمنعه من رؤية قرب الموت ومشاهدته ووقر في الأذن يمنع من سماع وجبته ودوي وقعته وبقدر ما يرفع لك من الحجاب ترى وبقدر ما تخفف عن أذنيك من الوقر تستمع.
فانظر رحمك الله نظر من رفع الحجاب وفتح له الباب واستمع سماع من أزيل وقره وخوطب سره وبادر قبل أن يبادر بك وينزل عليك وينفذ حكم الله فيك فتطوى صحيفة عملك ويختم على ما في يديك.
ويقال لك أجن ما غرست ولأحصد ما زرعت واقرأ كتابك الذي كتبت كفي بنفسك اليوم عليك حسيبا وبربك تبارك وتعالى رقيبا، وعلم أن الأمل يكسل عن العمل ويورث التراخي والتواني، ويعقبه التشاغل والتقاعس، ويخلد إلى الأرض ويميل إلى الهوى.
وذا أمر قد شوهد بالعيان فلا يحتاج إلى بيان، ولا يطالب صاحبه ببرهان، كما أن قصر الأمل يبعث على الجد والاجتهاد في العمل، ويحمل على المبادرة، ويحث على المسابقة قال:
سأضرب لك في ذلك مثلاً، مثل ملك من الملوك كتب إلى رجل يقول له: افعل كذا وكذا، وانظر كذا وكذا، وأصلح كذا وكذا، وانتظر رسولي فلانًا فإني سأبعثه إليك ليأتيني بك.
وإياك ثم إياك أن يأتيك إلا وقد فرغت من أشغالك وتخلصت من أعمالك، ونظرت في زادك، وأخذت ما تحتاج إليه في سفرك.
وإلا أحللت بك عقابي وأنزلت عليك سخطي، وأمرته يأتني بك مغلولة يداك مقيدة بجلاك، مشمتًا بك أعداك، مسحوبًا على وجهك إلى دار خزي وهوان وما أعددته لمن عصاني.
وإن وجدك قد فرغت من أعمالك وقضيت جميع أشغالك أتى بك مكرمًا مرفعًا مرفهًا إلى دار رضواني وكرامتي وما أعددته لمن امتثل أمري وعمل بطاعتي.
واحذر أن يخدعك فلان أو فلانة عن امتثال أمري والاشتغال بعملي وكتب إلى رجل آخر بمثل ذلك الكتاب.
فأما الرجل الأول فقال هذا كتاب الملك يأمرني فيه بكذا وكذا، وذكر لي رسوله يأتيني ليحملني إليه وأنا لا أمضي إليه حتى يأتيني رسوله، ولعل رسوله لا يأتيني إلا إلى خمسين سنة فأنا على مهلة.
وسأنظر فيما أمرني به، ولم يقع الكتاب منه بذلك الموقع، ولم ينزله من نفسه بتلك المنزلة، وقال: والله لقد أتى كتابه إلى خلق كثير بمثل ما أتاني، ولم يأتهم رسوله إلا بعد السنين الكثيرة، والمدد الطويلة، وأنا واحد منهم.
ولعل رسوله يتأخر عني كما تأخر عنهم، وجعل الغالب على ظنه أن الرسول لا يأتيه إلا إلى خمسين سنة كما ظن، أو أكثر أو إلى المدة التي جعل لنفسه بزعمه.
ثم أقبل على إشغال نفسه مما لا يحتاج إليه ومما كان غنيًا عنه وترك أوامر الملك والشغل الذي كلفه النظر. فيها والاشتغال به.
فكلما دخلت عليه سنة قال: أنا مشغول في هذه السنة وسأنظر في السنة المقبلة والمسافة أمامي طويلة والمهل بعيد.
وهكذا كلما دخلت عليه سنة قال: أنا مشغول، وسأنظر في الأخرى أو سأنظر في أمري فبينما هو على ذلك من تسويفه، واغتراره، إذ جاءه رسول الملك فكسر بابه وهتك حجابه وحصل معه في قعر بيته.
وقال له: أجب الملك. فقال: والله لقد جاءني كتابه يأمرني فيه بأعمال أعملها وأشغال أنظر له فيها، وما قضيت منها شغلاً، ولا عملت فيها حتى الآن شيئًا.
فقال الرسول له: ويلك وما الذي أبطأك عنها وما الذي حبسك عن الاشتغال بها والنظر فيها. فقال: لم أكن أظن أنك تأتيني في هذا الوقت.
فقال له: ويلك ومن أين كان لك هذا الظن ومن أخبرك به ومن أعلمك بأني لا آتيك إلا في الوقت الذي تظن. قال: ظننت وطمعت وسولت لي نفسي وخدعني الشيطان وغرني.
فقال له: ألم يحذرك الملك في كتابه منهما وأمرك ألا تسمع لهما، قال: بلى والله لقد فعل ولقد جاءني هذا في كتابه ولكنني خدعت فانخدعت وفتنت فافتتنت وارتبت في وقت مجيئك فتربصت.
فقال له: ويلك غرك الغرور وخدعك المخادع أجب الملك لا أم لك، قال: أنشدك إلا تركتني حتى أنظر فيما أمرني به، أو في بعضه أو فيما تيسر منه حتى لا أقدم عليه في جملة المفرطين وعصابة المقصرين.
وهذا مال قد كنت جمعته لنفسي، وأعددته لمؤونة زماني، فاتركني حتى آخذ منه زادًا أتزوده ودابة أركبها، فإن الطريق شاقة، والمفازة صعبة، والعقبة كؤود، والمنزل ليس فيه ماء.
قال: أتركك حتى أكون عاصيًا مثلك ثم دفعه دفعةً ألقاه على وجهه ثم جمع يديه إلى عنقه وانطلق به يجره من خلفه خزيان ندمان جوعان عطشان، وهو ينشد بلسان الحال:
لا كَحُزْنِي إِذَا لَقِيتُ حَزِينَا ** جَلَّ خَطْبِي فَدَيْتُكم أَنْ يَهُونَا

ضَاقَ صَدْرِي عَنْ بَعْضِهِ وَاحْتِمَالِي ** فَاسْلُكُوا بِي حَيْثُ أَلْقَى الْمَنُونَا

مَا تُرِيدُ الْعُدَاةُ مِنِّي وَإِنِّي ** لَبِحَالٍ يَرِقُّ لِي الْمَغْبِضُونَا

زَفَرَاتٌ هَتَكْنَ حُجْبَ فُؤَادِي ** وَهُمُومٌ قَطَعْنَ مِنِّي الْوَتِينَا

خُنْتُ عَهْدَ الْمَلِيكِ قَوْلاً وَفِعْلا ** وَاتَّخَذْتُ الْخِلافَ شَرْعًا وَدِينَا

غَرَسَت فِي الْحَيَاةِ كَفِي شَرًا ** فَاجْتَنَيْتُ الْعِقَابِ مِنْهُ فُنُونَا

لَيْتَنِي لَمْ أَكُنْ وَأَيْنَ لِمِثْلِي ** ظَالِمٌ نَفْسَهُ بِأَنْ لا يَكُونَا

يَا خَلِيلِي وَلا خَلِيلَ لِي الْيَوْ ** مَ سِوَى حَسْرَةٍ تُدِيمُ الأَنِينَا

رَبَحَ الرَّابِحُونَ وَانْقَضَتِ السُّو ** قُ وَخَلَى بِغَبْنِهِ الْمَغْبُونَا

فَابْكِينِي إِنْ يَكُنْ بُكَاكَ مُفِيدًا ** أَوْ فَدَعْنِي وَعُصْبَةً يَبْكُونَا

اللهم يا من لا تضره المعصية ولا تنفعه الطاعة أيقظنا من نوم الغفلة ونبهنا لاغتنام أوقات المهلة ووفقنا لمصالحنا واعصمنا من قبائحنا ولا تؤاخذنا بما انطوت عليه ضمائرنا وأكنته سرائرنا من أنواع القبائح والمعائب التي تعلمها منا، وامنن علينا يا مولانا في بتوبة تمحو بها عنا كل ذنب، اللهم اجعلنا من المتقين الأبرار وأسكنا معهم في دار القرار، اللهم وفقنا بحسن الإقبال عليك والإصغاء إليك ووفقنا للتعاون في طاعتك والمبادرة إلى خدمتك وحسن الآداب في معاملتك والتسليم لأمرك والرضا بقضائك والصبر على بلائك والشكر لنعمائك، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين برحمتك يا أرحم الراحمين وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
فصل:
وأما الآخر الذي كتب إليه الملك بمثل ما كتب إلى هذا فإنه أخذ كتاب الملك وقبله وقرأه وتصفحه وتدبره، وقال: أرى الملك قد كتب إلي بأن أعمل له كذا وكذا، وأقضي له كذا وكذا، وأنظر له في كذا وكذا.
ومن أين سبقت لي هذه السابقة عند الملك، ومن الذي عنى بي عنده، ومن الذي أنزلني منه هذه المنزلة، حتى جعلتني من بعض خدامه، والقائمين بأمره.
والله إن هذه لسعادة والله إنها لعناية الحمد لله رب العالمين، ثم نظر في الكتاب وقال: أسمع الملك وقد قال لي في كتابه، وانتظر رسولي فإني سأبعثه إليك ليأتيني بك وأره لم يحد لي الوقت الذي يبعث فيه الرسول إلي ولا سماه لي.
ولعلي لا أفرغ من قراءة كتابه إلا ورسوله قد أتاني ونزل علي، والله لا قدمت شغلاً على شغل الملك ولا نظرت في شيء إلا بعد فراغي مما أمرني به الملك، وإعدادي زادًا أتزود به، ومركوبًا أركبه إذا جاءني رسوله وحملني إليه.
فتعرض له رجل وقال له: لم هذه المسارعة كلها وفيم هذه المبادرة كلها؟ فقال له: ويحك أما ترى كتاب الملك بما جاءني، أما تسمع ما فيه أما تصدقه، أما تؤمن به، قال لي: سمعت وآمنت وصدقت، ولكن لم يقل لك فيه إن رسوله يأتيك اليوم ولا غدًا ولا وقتًا معلومًا.
ولكنه سيأتيك وقد جاء كتابه إلى فلان الذي قد جاءك أنت به، وقد بقي منتظرًا لرسوله أكثر من سبعين سنة، وإلى الآن ما أتاه.
وبعد زمان طويل ما جاءه، وفلان أتاه بعد ثمانين سنة، وفلان أتاه بعد مائة سنة، وأنت واحد من المرسل إليهم، فلم هذه العجلة، وفيم هذا الإسراع.
فقال: ويحك أما ترى أنت فلانًا قد جاءه كتاب الملك بهذا الذي جاءني وجاءه الرسول في إثر مجيء الكتاب، وفلان قد جاءه بعد سنة.
فقال: بلى ولكن لا تنظر إلى هؤلاء خاصة وانظر إلى الذين قلت لك ممن تأخر عنه المجيء فقال له: دعني يا هذا فقد شغلتني والله وإني لأخاف أن يأتيني الرسول وأنا أكلمك.
ثم أقبل على ما أمره به الملك فامتثله، ونظر فيما حد له، واشتغل بما يجب عليه أن يشتغل به، وأخذ الزاد لسفره، وأخذ الأهبة بطريقه وجعل ينتظر الرسول أن يأتيه وأقبل يلتفت يمينًا وشمالاً ينظر من أين يأتيه ومن أين يقبل عليه.
فبينما هو كذلك وإذا برسول الملك قد أتاه فقال: أجب الملك. قال: نعم. قال: الساعة، قال: الساعة، قال: وفرغت مما أمرك به، وعملت ما حد لك أن تعمله، قال: نعم، قال: فانطلق.
قال: بسم الله فخلع عليه خلعة الأولياء وكساه كسوة الأصفياء وأعطاه مركبًا يليق به ويجمل بمثله وانطلق به حبور وسرور.
فبان لك بهذا المثل وبغيره فضلية قصر الأمل، وفضيلة المبادرة إلى العمل، والاستعداد للموت قبل نزوله، والانتظار قبل حلوله.
وقد كثر الحض على هذا وكثرت الأقاويل فيه، ولم يزل المذكرون يذكرون والمنبهون ينهبون لو يجدون سمعًا ووعيًا وقلبًا حافظًا ومحلاً قابلاً فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. انتهى.
مَنْ شَامَ بَرْقَ الشَّيْبَ أَيْقَنَ إِنَّمَا ** وَبْلُ الْمَنِيَّةِ عَقْبَهُ يَتَدَفَّقُ

فَأَعِدَّ زَادًا لِلرَّحِيلِ مُبَادِرًا ** أَجَلاً يُفَاجِؤُ ضَحْوَةً أَوْ يَطْرُقُ

اللهم إن كنا مقصرين في حفظ حقك، والوفاء بعهدك، فأنت تعلم صدقنا في رجاء رفدك، وخالص ودك، اللهم أنت أعلم بنا منا، فبكمال جودك تجاوز عنا، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين برحمتك يا أرحم الراحمين وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
دَوَامُ حَالٍ مِنْ قَضَايَا الْمُحَالْ ** وَاللُّطْفُ مَوْجُودٌ عَلَى كُلِّ حَالْ

وَالنَّصْرُ بِالصَّبْرِ مُحَلَّى الظُّبَى ** وَالْجَدُّ بِالْحَدِ مَرِيشَ النِّبَالْ

وَعَادَةُ الأَيَّامِ مَعْهُودَةٌ ** حَرْبٌ وَسَلْمٌ وَاللَّيَالِي سِجَالْ

وَمَا عَلَى الدَّهْرِ انْتِقَادٌ عَلَى ** حَالٍ فَإِنَّ الْحَالَ ذَاتُ انْتِقَالْ

مَنْ لِلَّيَالِي بِائْتِلافٍ وَكَمْ ** مِنْ اعْتِبَارٍ بِاخْتَلافِ اللِّيَالْ

أَخْذٌ عَطَاءٌ مِحْنَةٌ مِنْحَةٌ ** تَفُرُّقٌ جَمْعٌ جَلالٌ جَمَالْ

حَالُ انْتِظَام وَانْتِثَارٍ مَعًا ** كَأَنَّمَا هَذِي اللَّيَالِي لآلْ

وَهَلْ سَنَا الصُّبْحِ وَجُنْحُ الدُّجَى ** لِخَلْقَةِ الأَضْدَادِ إِلا مِثَالْ

وَالظُّلْمُ الْحُلْكُ عَلَى نُورِهَا ** تَدُلُّ وَالْعُسْرُ بِيُسْرٍ يُدَالْ

وَالسَّيْفُ قَدْ يَصْدَأُ فِي غِمْدِهِ ** ثُمَّ يُجَلِّي صَفْحَتَيْهِ الصِّقَالْ

وَالشَّمْسُ بَعْدَ الْغِيمِ تُجْلَى كَمَا ** لِلْغَيْثِ مِنْ بَعْدِ الْقُنُوطِ انْهِمَالْ

وَالْفَرَجُ الْمَوْهُوبُ تَجْرِي بِهِ ** لَطَائِفٌ لَمْ تَجْرِ يَوْمًا بِبَالْ

فَصَابِرِ الدَّهْرَ بِحَالَيْهِ مِن ** حُلْوٍ وَمُرٍّ وَاعْتِدَا وَاعْتِدَالْ

فَمَا لَهُ صَبْرٌ عَلَى حَالَةٍ ** وَإِنَّمَا الصَّبْرُ حُلِيُّ الرِّجَالْ

وَلا يَضِيقُ صَدْرُكَ مِنْ أَزْمَةٍ ** ضَاقَتْ فَصُنْعُ اللهِ رَحْبُ الْمَجَالْ

وَانْظُرْ بِلُطْفِ الْعَقْلِ كَمْ كُرْبَةٍ ** فَرَّجَهَا لُطْفٌ كَحَلِّ الْعِقَالْ

وَكُلُّ إِلَيْهِ كُلَّ حاجٍ فَمَا ** لِذِي حجىً إِلا عَلَيْهِ اتِّكَالْ

وَكُل بَدْءٍ فَلَهُ غَايَة ** وَغَايَة الْخَطْبِ الشَّدِيدِ انْحِلالْ

وَكُل عَوْدٍ فَلَهُ آيَة ** وَآيَةُ الْعَقْلِ اعْتِبَارُ الْمَآلْ

وَفِي مَآلِ الصَّبْرِ عُقْبَى الرِّضَا ** مِنْ فَرَج يُدْنِي وَأَجْر يُنَالْ

عَجِبْتُ لِلْعَبْدِ الضَّعِيف الْقُوَى ** يَغُرُّ بِالرَّبِّ الشَّدِيدِ الْمَحَالْ

يَهْوِي مَعَ الآمَالِ مُسْتَرْسِلاً ** طُلُوعُ الْهَوَى حَيْثُ أَمَالَته مَالْ

تَخْدَعُهُ النَّفْسَ بِتَخْيِيلِهَا ** وَهَلْ خَيَالُ النَّفْسِ إِلا خَبَالْ

يَخَالُ أَنْ الأمْرَ جَارٍ عَلَى ** تَدبِيْرُهُ هَيْهَاتَ مِمَّا يَخَالْ

وَالْخَلْقَ وَالأمْر لِمَنْ لَمْ يَزَل ** فِي مُلْكِهِ الْمَلْك وَمَا إِنْ يَزَالْ

وَالْفِعْلُ وَالتَّرْكُ لُيل عَلَى ** مُرَادِهِ وَالْكُلُّ طَوْعُ انْفِعَالْ

يُعْطِي فَلا مَنْعٌ وَيَقْضِي فَلا ** دَفْع وَيُمْضِي حُكْمُهُ لا يُبَالْ

يُدَبِّرُ الأمْرَ فَعَنْ أَمْرِهِ ** تَقْدِيرُ مَا فِي الْكَوْنِ سُفْلٍ وَعَالْ

يُضِلُّ يَهْدِي حُكْمُهُ أَنْفَذَتَ ** فَضْلاً وَعَدْلاً فِي هُدىً أَوْ ضَلالْ

وَحُكْمُهُ الْبَارِئ فِي حُكْمِهِ ** مَا لِمَجَال الْعَقْل فِيهَا مَجَالْ

وَالرَّبَ لا يُسْأَلُ عَنْ فِعْلِهِ ** قَدْ قُضِيَ الأَمْرُ فَفِيمَ السُّؤَالْ؟!

فَيَا أَخَا الْفِكْرِ اشْتِغَالاً بِمَا ** فِي غَيْرِهِ لِلْفِكْرُ حَقَّ اشْتِغَالْ

سَلِّمْ فَفِي التَّسْلِيمِ مِنْ كُلِّ مَا ** يَنْفَذُ تَسْلِيم وَتَنْعِيمُ بَالْ

وَارْضِ بِمَا فَاتَكَ أَوْ نِلْتَهُ ** فَعَكْسِهِ مَا لَكَ فِيهِ مَجَالْ

وَفَوِّض الأَمْرَ إِلَى الْحَقِّ لا ** تَرْكَنْ مِنَ الدُّنْيَا لِحَال مُحَالْ

فَذُو الْحِجَى فِيمَا اتَّقَى وَارْتَجَى ** بِالْعَدْلِ حَالَ وَمِنَ الْعَذْلِ خَالْ

يَرْضَى بِقِسْمِ الرَّبِّ كُلَّ الرِّضَا ** فِي كُلِّ حَالٍ مَا عَنِ الْعَهْدِ حَالْ

يُرَى خَلالَ الشُّكْرِ وَالصَّبْرُ فِي ** مَا سَرَّ أَوْ سَاءَ أَبَرَّ الْخِلالْ

فَهُوَ عَلَى الْحَالَيْنِ قَدْ نَالَ مِنْ ** مُنَاهُ فِي الدَّارَيْنِ أَقْصَى مَنَالْ

مَا أَقْصَرَ الدُّنْيَا عَلَى مُرِّهَا ** كَالظِّلِّ مَا أَقْصَرَ مَدَّ الظِّلالْ!

فَافْطَن لَهَا حَزمًا فَفِي ظِلِّهَا ** مَا قَالَ يَوْمًا حَازِم حَيْثُ قَالْ

مَا يَقَظَاتِ الْعَيْشِ إِلا كَرَىً ** وَلا مَرَائيَ الْعَيْنُ إِلا خَيَالْ

يَا لَيْتَ شِعْرِي وَالْمُنَى عِبْرَة ** وَالشِّعْرُ قَوْلٌ قَدْ يُنَافِي الْفِعَالْ

وَالشَّيْبُ هَلْ يُوقِظُنِي صُبْحُهُ ** فَالنَّوْمُ فِي لَيْلٍ مِنَ اللَّهْوِ طَالْ

وَكِسْرَتِي مِنْ عُسْرَتِي هَلْ تَقِي ** وَعَثْرَتِي مِنْ عِبْرَتِي هَلْ تُقَالْ

هَذَا زَمَانِي فِي تَوَلٍّ وَفِي ** عَزْمِي تَوَانٍ وَالْهَوَى فِي تَوَالْ

حَالُ مَنْ احْتَلَّ بِدَارِ الْبَلا ** وَلَمْ يحدِّثْ نَفْسَهُ بِارْتِحَالْ

يَا رَبِّ مَا الْمُخْلِصُ مِنْ زَلَّتِي ** لا عَمَلٌ لا حُجَّةٌ لا احْتِيَالْ

يَا رَبِّ مَا يَلْقَاكَ مِثْلِي بِهِ ** عَنْ طَاعَةِ لَمْ أَلْقَهَا بِامْتِثَالْ

يَا رَبِّ لا أَحْمِلُ حَرَّ الصَّبَا ** فَكَيْفَ بِالنَّارِ لِضَعْفِي احْتِمَالْ

أَمْ كَيْفَ عُذْرِي وَقَدْ أَعْذَرْتَ لِي ** بِأَخْذِ حُذْرِي مِنْ دَوَاعِي النِّكَالْ

رَحْمَتَكَ اللَّهُمَّ فَهِيَ الَّتِي ** لَهَا عَلَى الْعَاصِينَ مِثْلِي انْثِيَالْ

وَلا تُعَامِلْنَا بِأَعْمَالِنَا ** لَكِنْ رَجَا آمَالِنَا صِلْ وَوَالْ

اللهم نور قلوبنا واشرح صدورنا واستر عيوبنا وأَمِّنْ خوفنا واختم بالصالحات أعمالنا واجعلنا من عبادك الصالحين وحزبك المفلحين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
فصل:
ثم اعلم أن قصر الأمل ديدن العلماء العاملون المتقون الورعون المبعدون عن التكالب على الدنيا الزاهدون في حطامها الفاني وكذلك أرباب القلوب الواعية وإن لم يكونوا علماء يقصرون أملهم ويحتقرون الدنيا ويعلمون أنها زائلة عكس ما عليه أكثر أهل هذا الزمان عبيد الدنيا للبطون والفروج.
لا تَحْسِدَنَّ غَنِيًّا فِي تَنَعُّمِهِ ** قَدْ يَكْثُرُ الْمَالُ مَقْرُونًا بِهِ الْكَدَرُ

تَصْفُو الْعُيُونُ إِذَا قَلَّتْ مَوَارِدُهَا ** وَالْْمَاءُ عِنْدَ ازْدِيَادِ النِّيلِ يَعْتَكِرُ

آخر:
تَحَرَّزْ مِنَ الدُّنْيَا فَإِنَّ فِنَاءَهَا ** مَحَلُّ فَنَاءٍ لا مَحَلُّ بَقَاءِ

فَصَفْوفتهَا مَمْزُوجَةٌ بِكَدْوَرَةٍ ** وَرَاحَتُهَا مَقْرُونَةٌ بِعَنَاء

آخر:
دَعِ الْفُؤَادَ عَنِ الدُّنْيَا وَزُخْرُفِهَا ** فَصَفْوُهَا كَدَر وَالْوَصْلُ هُجْرَانُ

آخر:
عَيْشَةُ الرَّاغِبِ فِي تَحْصِيلِهَا ** عَيْشَةُ الْقَانِعِ فِيهَا أَوْ أَقَلْ

كَمْ جَهُولٍ بَاتَ فِيهَا مُكْثِرًا ** وَعَلِيمٌ بَاتَ مِنْهَا فِي عِلَلْ

آخر:
يُحَبُّ الْفَتَى طُولَ الْبَقَاءِ كَأَنَّهُ ** عَلَى ثِقَةٍ إِنَّ الْبَقَاءَ بَقَاءُ

إِذَا مَا طَوَى يَوْمًا طَوِيَ الْيَوْمُ بَعْضَهُ ** وَيَطْوِيهِ إِنْ جَنَّ الْمَسَاءُ مَسَاُء

زِيَادَتُهُ فِي الْجِسْمِ نَقْصُ حَيَاتِهِ ** وَأَنِّي عَلَى نَقْصِ الْحَيَاةِ نَمَاءُ

قال صلى الله عليه وسلم: «ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم أصبعه في اليم فلينظر بم... يرجع». رواه مسلم.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي فقال: «كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل». وكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول: إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك رواه البخاري.
ولبعضهم على هذا الحديث:
أَيَا صَاحِ كُنْ فِي شَأْنِ دُنْيَاكَ هَذِهِ ** غَرِيبًا كَئِبًا عَابِرًا لِسَبِيلِ

وَعُدَّ مِنْ أَهْلِ الْقَبْرِ نَفْسَكَ إِنَّمَا ** بَقَاؤُكَ فِيهَا مِنْ أَقَلِّ قَلِيل

قالوا في شرح هذا الحديث معناه لا تركن إلى الدنيا ولا تتخذها وطنًا ولا تحدث نفسك بطول البقاء فيها ولا تشتغل فيها إلا بما يشتغل به الغريب فقط الذي يريد الذهاب إلى أهله وأحوال الإنسان ثلاث حال لم يكن فيها شيئًا وهي قبل أن يوجد.
وحال أخرى وهي من ساعة موته إلى ما لا نهاية في البقاء السرمدي فإن لنفسك وجود بعد خروج الروح من البدن إما في الجنة وإما في النار وهو الخلود الدائم وبين هاتين الحالتين حالة متوسطة وهي أيام حياته في الدنيا فانظر إلى مقدار ذلك بالنسبة إلى الحالتين يتبين لك أنه أقل من طرفة عين في مقدار عمر الدنيا.
ومن رأى الدنيا بهذه الصفة وبهذا التفكير السليم لم يلتفت إليها ولم يبالي كيف انقضت أيامه بها في ضرر وضيق أو سعة ورخاء ورفاهية ولهذا لم يضع النبي صلى الله عليه وسلم لبنة على لبنة ولا قصبة على قصبة.
وقال عيسى عليه السلام: الدنيا قنطرة فاعبروها ولا تعمروها هذا مثل واضح فإن الدنيا معبرا إلى الآخرة والمهد هو الركن الأول على أول القنطرة واللحد هو الركن الثاني على آخر القنطرة.
وَمَا هَذِهِ الأَيَّامُ إِلا مَرَاحِلٌ ** وَمَا النَّاسُ إِلا رَاحِلٌ فَمُقَوِّضُ

كَانَ الْفَتَى يَبْنِي أَوَانَ شَبَابِهِ ** وَيَهْدِمُ فِي حَالِ الْمَشِيبِ وَيَنْقُضُ

آخر:
يَا غَافِلَ الْقَلْبِ عَنْ ذِكْرِ الْمَنِيَّاتِ ** عَمَّا قَلِيل سَتُلْقَى بَيْنَ أَمْوَاتِ

فَاذْكُرْ مَحَلَّكَ مِنْ قَبْلِ الْحُلُولِ بِهِ ** وَتُبْ إِلَى اللهِ مِنْ لَهْوٍ وَلَذَّاتِ

إِنَّ الْحِمَامَ لَهُ وَقْتٌ إِلَى أَجَلٍ ** فَاذْكُرْ مَصَائِبَ أَيَّامٍ وَسَاعَاتِ

لا تَطْمَئِنَّ إِلَى الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا ** قَدْ آنَ لِلْمَوْتِ يَا ذَا اللُّبِّ أَنْ يَأْتِي

وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
فصل:
ومن الناس من قطع نصف القنطرة ومنهم من قطع ثلثها ومن الناس من قطع الثلثين ومنهم من قطع ثلاثة أرباع المسافة ومنهم من لم يبق له إلا ثمن المسافة ومنهم من لم يبق له إلا خطوة واحدة وهو غافل عنها وكيف ما كان فلابد من العبور فمن وقف يبني على القنطرة ويزينها وهو يستحث على العبور عليها فهو في غاية الجهل والحمق والسفه.
وروي عن الحسن قال بلغني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال إنما مثلي ومثلكم ومثل الدنيا كمثل قوم سلكوا مفازة غبراء حتى إذا لم يدروا ما سلكوا منها، أو ما بقي أنفذوا الزاد وخسروا الظهر وبقوا بين ظهراني المفازة، لا زاد ولا حمولة فأيقنوا بالهلكة.
فبينما هم كذلك إذ طلع عليهم رجل في حلة، يقطر رأسه فقالوا: أن هذا قريب عهد بريفٍ، وما جاء هذا إلا من قريب، فلما انتهى إليهم قال: يا هؤلاء علام أنتم قالوا: على ما ترى قال: أرأيتكم إن هديتكم على ماء رواء ورياض خضر، ما تعملوا قالوا: لا نعصيك شيئًا.
قال: عهودكم ومواثيقكم بالله، فأعطوه عهودهم ومواثيقهم بالله لا يعصونه شيئًا، قال: فأوردهم ماًء ورياضًا خضراء فمكث فيهم ما شاء الله، ثم قال: يا هؤلاء الرحيل قالوا إلى أين قال: إلى ماء ليس كمائكم، وإلى رياض ليست كرياضكم فقال: أكثر القوم والله ما وجدنا هذا حتى ظننا أن لن نجده وما نصنع بعيش خير من هذا.
وقالت طائفة: ألم تعطوا هذا الرجل عهودكم ومواثيقكم بالله لا تعصوه وقد صدقكم في أول حديثه فوالله ليصدقنكم في آخره. قال: فراح فيمن اتبعه وتخلف بقيتهم فنزل بهم عدو فأصبحوا من بين أسير وقتيل.
وعن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين ألا ووصيته مكتوبة عنه». متفق عليه.
وعن أنس رضي الله عنه قال: خط النبي صلى الله عليه وسلم خطًا مربعًا وخط خطًا في الوسط خارجًا منه وخط خططًا صغارًا إلى هذا الذي في الوسط من جانبه فقال: «هذا الإنسان وهذا أجله محيط به- أو قد أحاط به. وهذا الذي هو خارج أمله وهذه الخطط الصغار الأعراض فأن أخطأه هذا نهشه هذا وان أخطأه هذا نهشه هذا». رواه البخاري.
الْقَلْبُ نَهَشَهُ مُحْتَرَقٌ وَالدَّمْعُ مُسْتَبِقٌ ** وَالْكَرْبُ مُجْتَمِعٌ وَالصَّبْرُ مُفْتَرِقُ

كَيْفَ الْفِرَارُ عَلَى مَنْ لا فِرَارَ لَهُ ** مِمَّا جَنَاهُ الْهَوَى وَالشَّوْقُ وَالْقَلَقُ

يَا رَبُّ إِنْ كَانَ لِي بِهِ فَرَحٌ ** فَامْنُنْ عَليَّ بِهِ مَا دَامَ بِي رمْقُ

آخر:
وَالْمَرْءُ يُبْلِيه فِي الدُّنْيَا وَيَخْلِقُهُ ** حِرْصٌ طَوِيلٌ وَعُمْرُ فِيهِ تَقْصِيرُ

يَطُوقُ النَّحْرَ بِالآمَالِ كَاذِبَةً ** وَلِهَذْمِ الْمَوْتِ دُونَ الطَّوْقِ مَطُرُورُ

جَذْلانَ يَبْسِمُ فِي أَشْرَاكِ مَيْتَتِهِ ** إِنْ أَفْلَتَ النَّابُ أَرْدَتْهُ الأَظَافِيرُ

وعن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرًا منها شربة ماء». رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
وقال صلى الله عليه وسلم: «ما لي وللدنيا أنما مثلي ومثل الدنيا كمثل راكب قال في ظل شجرة في يوم صائف ثم راح وتركها». وفي صحيح مسلم من حديث المستورد بن شداد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم أصبعه في اليم فلينظر بم يرجع». وأشار بالسبابة.
وفي الترمذي من حديثه قال: كنت مع الركب الذين وقفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على السخلة الميتة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أترون هذه هانت على أهلها حتى ألقوها». قالوا: ومن هوانها ألقوها يا رسول الله. قال: «فالدنيا أهون على الله من هذه على أهلها». وفي الترمذي أيضًا من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه وعالمًا ومتعلمًا».
هِيَ الدُّنْيَا إِذَا عُشِقَتْ أَذَلَّتْ ** وَتُكْرِمُ مَنْ يَكُونُ لَهَا مُهِينَا

كَظِلَّكَ إِنْ تَرُمْهُ تَجِدْهُ صَعْبًا ** وَتَتْرِكُهُ فَيَتْبَعُ مُسْتَكِينًا

آخر:
هِيَ الدُّنْيَا تَقُولُ بِمِلْءِ فِيهَا ** حِذَارَ حِذَار مِنْ بَطْشِي وَفَتْكِي

فَلا يَغْرُرْكُمْ حُسْنُ ابْتِسَامِي ** فَقَوْلِي مُضْحِكٌ وَالْفِعْلُ مُبْكِي

آخر:
دَلَّتْ عَلَى عَيْبِهَا وَصَدَّقَهَا ** لِعْبٌ وَلَهْوٌ وَفَخْرٌ فِي مَطَاوِيهَا

آخر:
فَبَيْنَا نَسُوسُ النَّاسَ وَالأَمْرُ أَمْرَنَا ** إِذَا نَحْنُ فِيهَا سَوْقَةٌ لَيْسَ نُنْصَفُ

فَأُفِّ لِدُنْيًا لا يَدُومُ نَعِيمُهَا ** تَقَلَّبُ تَارَاتٍ بِنَا وَتَصَرَّفُ

آخر:
وَمَا الْمَرْءُ فِي دُنْيَاهُ إِلا كَهَاجِعِ ** تَرَاءَتْ لَهُ الأَحْلامُ وَهِيَ خَوَادِعُ

يُنَعِّمُهُ طَيْفٌ مِنَ اللَّهْوِ بَاطِلٌ ** وَيُوقِظُهُ يَوْمٌ بِهِ الْمَوْتُ فَاجِعُ

وليس العجب من انهماك الكفرة في حب الدنيا والمال فإن الدنيا جنتهم وإنما العجب أن يكون المسلمون يصل حب المال والدنيا في قلوبهم إلى حد أن تذهل عقولهم وأن تكون الدنيا هي شغلهم الشاغل ليلاً ونهارًا وهم يعرفون قدر الدنيا من كتاب ربهم وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم أليس كتاب الله هو الذي فيه: {مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ}.
ويقول: {مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَّدْحُوراً * وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُوراً}.
وتقدمت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم المبينة لحقارة الدنيا وليس المعنى أن نترك الدنيا ونبقى جياعًا عارين محتاجين بل معناه أن لا نجعلها مقصدًا كما جعلها الكفار بل نجعل الدنيا وما فيها وسيلة إلى تلك الحياة الأبدية فنكون من الفريق الذي يحب المال لأجل الآخرة.
وقد كان على هذا المبدء الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين وكذلك التابعون لهم اتخذوا الدنيا مطية للآخرة فسادوا بها أهل الدنيا ولما تخلفنا عنهم في هذا المبدء وجعلنا المال هو المقصد سكنا على الدنيا وأحببنا الحياة ولذائذها والداهية العظيمة هي أنا ضربنا بالذل.
ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن أكثر ما أخاف عليكم ما يخرج الله لكم من بركات الأرض». رواه البخاري ومسلم. وقال صلى الله عليه وسلم: «فوالله ما الفقر أخشى عليكم ولكن أخشى أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتكم». متفق عليه.
كَمْ رَأَيْنَا مِنْ أُنَاسٍ هَلَكُوا ** فَبَكَى أَحْبَابُهُمْ ثُمَّ بُكُوا

تَرَكُوا الدُّنْيَا لِمَنْ بَعْدَهُمُوا ** وُدُّهُمْ لَوْ قَدَّمُوا مَا تَرَكُوا

آخر:
إِنِّي وَإِنْ كَانَ جَمْعُ الْمَالِ يُعْجِبُنِي ** فَلَيْسَ يَعْدِلُ عِنْدِي صِحَّةَ الْجَسَدِ

فِي الْمَالِ زَيْنٌ وَفِي الأَوْلادِ مَكْرُمَةٌ ** وَالسُّقْمُ يُنْسَيْكَ ذِكْرَ الْمَالِ وَالْوَلَد

والله أعلم. صلى الله على محمد وعلى آله وسلم.